فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{لِيَشْتَرُواْ بِهِ} أي يأخذوا لأنفسهم بمقابلته {ثَمَنًا} هو ما أخذوه من الرُّشا بمقابلة ما فعلوا من التحريف والتأويل، وإنما عُبر عن المشترى الذي هو المقصودُ بالذات في عقد المعاوضة بالثمن الذي هو وسيلةٌ فيه إيذانًا بتعكيسهم حيث جعلوا المقصود بالذات وسيلةً والوسيلةَ مقصودًا بالذات {قَلِيلًا} لا يُعبأ به فإن ذلك وإن جل في نفسه فهو أقلُّ قليلًا عندما استوجبوا به من العذاب الخالد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيتين:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلاَّ أمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}.
أخبر أنهم متفاوتون في نقائص كفرهم، فقومٌ منهم أخَسُّ درجةً وأكثر جهلًا ركنوا إلى التقليد، ولم يملكهم استيلاء شبهة بل اغتروا بظنِّ وتخمين، فهم الذين لا نصيب لهم من كتبهم إلا قراءتها، دون معرفة معانيها. ومنهم مَنْ أكثرُ شأنه ما يتمناه في نفسه، ولا يساعده إمكان، ولا لظنونه قط تحقيق. ثم أخبر عن سوء عاقبتهم بقوله جل ذكره: {فَوَيْلُ لَّهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}.
أي خَسِروا في الحال والمآل، والإشارة في هذه الآية لمن عَدِم الإخلاص في الصحبة في طريق الحق؛ يَنْضَمُّ إلى الأولياء ظاهرًا ثم لا تَصْدُقُ له إرادة فهو مع أهل الغفلة مُصَاحِب، وله مع هذه الطريقة جانب، كلما دَعَتْهُ هواتف الحظوظ تَسَارَعَ إلى الإجابة طوعًا، وإذا قادته دواعي الحق سبحانه يتكلف شيئًا، فَبِئْسَتْ الحالة حين لم يخلص، وما أشد ندمه فيما ادَّخَرَ عن الله ثم لا يُفْلحْ. اهـ.

.من فوائد البغوي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فَوَيْل} قال الزجاج: ويل كلمة يقولها كل واقع في هلكة، وقيل: هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور، وقال ابن عباس: شدة العذاب، وقال سعيد بن المسيب: ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حره.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث أنه حدث عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فهو كذلك».
{لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم وسلم المدينة، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة، وكانت صفته فيها: حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، ربعة، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرءوا ما كتبوا فيجدونه مخالفا لصفته فيكذبونه وينكرونه، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} يعني ما كتبوا بأنفسهم اختراعا من تغيير نعت محمد صلى الله عليه وسلم {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} المآكل ويقال: من المعاصي. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {أفتطمعون} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الداعي إلى الإيمان وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيمًا له، وقيل: هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنهم كانوا يدعون إلى الإيمان أيضًا ومعنى أفتطمعون أفترجعون {أن يؤمنوا لكم} أي يصدقكم اليهود بما تخبرونهم وقيل: معناه أفتطمعون أن يؤمنوا لكم مع أنهم لم يؤمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام وكان هو سبب في خلاصهم من الذل وظهور المعجزات على يده {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} قيل المراد بالفريق: هم الذين كانوا مع موسى يوم الميقات، وهم الذين سمعوا كلام الله تعالى، وقيل المراد بهم: الذي كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأقرب لأن الضمير راجع إليهم في أفتطمعون أن يؤمنوا لكم، فعلى هذا يكون معنى يسمعون كلام الله يعني التوراة، لأنه يصح أن يقال لمن يسمع التوراة يسمع كلام الله {ثم يحرفونه} أي يغيرون كلام الله، ويبدلونه فمن فسر الفريق الذين يسمعون كلام الله بالفريق الذين كانوا مع موسى عليه السلام استدل بقول ابن عباس رضي الله عنهما إنها نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وذلك لأنهم لما رجعوا إلى قومهم بعد ما سمعوا كلام الله أما الصادقون منهم فإنهم أدوا كما سمعوا وقالت طائفة منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا وإن شئتم فلن تفعلوا، فكان هذا تحريفهم ومن فسر الفريق الذين كانوا يسمعون كلام الله بالذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان تحريفهم تبديلهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة {من بعد ما عقلوه} أي علموا صحة كلام الله ومراده فيه ثم مع ذلك خالفوه {وهم يعلمون} أي فساد مخالفته ويعلمون أيضًا أنهم كاذبون. اهـ.

.من فوائد السعدي في الآية:

قال رحمه الله:
(79) {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}.
توعد تعالى المحرفين للكتاب، الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق، وإنما فعلوا ذلك مع علمهم {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل، فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس، فظلموهم من وجهين: من جهة تلبيس دينهم عليهم، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق، بل بأبطل الباطل، وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما، ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: من التحريف والباطل {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} من الأموال، والويل: شدة العذاب والحسرة، وفي ضمنها الوعيد الشديد.
قال شيخ الإسلام لما ذكر هذه الآيات من قوله: {أَفَتَطْمَعُونَ} إلى {يَكْسِبُونَ} فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة، على ما أصله من البدع الباطلة.
وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله، لينال به دنيا وقال: إنه من عند الله، مثل أن يقول: هذا هو الشرع والدين، وهذا معنى الكتاب والسنة، وهذا معقول السلف والأئمة، وهذا هو أصول الدين، الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة، لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله.
وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة، كالرافضة، وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ}.
الفاء للاستئناف أو للسبب.
ابن عطية: قال الخليل: الويل شدة الشر.
وقال الأصمعي: الويل القبائح وهو مصدر لا فعل له ينصب على الدعاء.
واستبعده ابن عرفة أن يراد به القبائح قال: إنما يفهم منه العقوبة المترتبة على القبائح قال: وويل وويح وويس وريب متقاربة وقد فرق بينها قوم.
قلت: قال: القاضي عياض في الإكمال في كتاب الإيمان في حديث خرّجه مسلم من رواية واقد بن محمد أنه سمع أباه يحدث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «ويحكم، أو قال: وَيْلَكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
قال القاضي عياض: ويح، وويل للتّعجب والتوجّع كما قال سيبويه ويل لمن وقع في مهلكه، وويح يترحم بمعناها، وحكى عنه ويح لمن أشرف على المهلكة.
قال غيره: ولا يراد بها الدعاء بإيقاع الهلاك ولكن الترحم.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ويح ترحم.
قال الهروي: ويح لمن وقع في مهلكة لا يستحقها فيرثى له ويترحم عليه، وويل للذي يستحقها ولا يترحم عليه.
وقال الأصمعي: ويح ترحم، وابن عباس: الويل المشقة.
قال ابن عرفة: هو الحزن وقيل الهلاك.
قلت: وقال القاضي في حديث: «ويحك يَا أَنجشة رويدك بالقوارير».
قال سيبويه: هي لمن وقع في مهلكة لا يستحقها فيرثى له ويترحم عليه، وويل بضده، وويس تصغير أي دونها ذكره في كتاب الفضائل.
قوله تعالى: {ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ الله}.
{ثم} لبعد ما بين منزلة الكتب والقول.
قيل لابن عرفة: {الكتاب} لا شيء فيه، إنما العقوبة على نسبته إلى الله.
فقال: لا بل على الأمرين كمن يكتب عقودا يضرب فيها على الخطوط والشهادات ويخليها عنده، فإنه قد ارتكب محظورا فإن أظهرها ونسبها إلى تلك الشهود وطلب بها فهو قد فعل محظورا آخر.
قيل لابن عرفة: نص ابن التلمساني في آخر باب النسخ على أنهم أجمعوا على تكفير من كَّذب الله، واختلفوا في تكفير من كذَب على الله.
فقال ابن عرفة: هذا مشكل فمن يفتي بالخطأ كاذبا على الله يلزم أن يكون كافرا وليس كذلك.
قوله تعالى: {لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}.
قال ابن عرفة: إما أن يراد يبيعونه بشيء تافه، أو بلا شيء كقول سيبويه: مررت بأرض فلمّا تنبت البقلا أي لا تنبت شيئا ونحوه.
قال الزمخشري في قوله تعالى: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ} وَفِي قَوْلِهِ في النساء: {فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا} وأنشد:
قليل التشكي للمهمّ يصيبه ** كثير الهوى شتى النوى والمسالك

وأنكره أبو حيان وذكره أيضا الزمخشري في سورة النّمل في قول الله عز وجل: {وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأرض أءلاه مَّعَ الله قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} قال: المعنى نفي التذكير.
والقلة تستعمل في معنى النفي.
قال ابن عرفة: معنى كتبهم: إما أنهم يكتبون زيادات يدلّون فيها صفات النّبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ممّا يقصدون تبديله لغرض ما ويعطون ذلك لعوام ويقولون لهم: إنّه منقول من التوراة، وإما أنهم يخبرونهم بذلك بالقول: إنه من التوراة دون كتب، وأما تبديلهم ذلك في نفس التوراة فلا، وقد قال ابن فورك: إنّ صفاته صلى الله عليه وسلم الآن موجودة في التوراة.
وقال المازرى في الأحوذى له عن الجوزقى إن اسمه فيها بالعبرانية وار كليط وما زالت تقع في الكتبيين للبيع.
والفرق بينهما أن القرآن أخبرنا اللهُ تعالى فيه أنّه تكفل بحفظه والتوراة أمر أهلها بحفظها ونحن لا نثق بهم في قولهم: إنّهم حفظوها، فلعلهم عصوا ذلك، لأمر ولم يمتثلوه.
وبرهان هذا واضح بالبحث عن القرآن في الأقطار كلها المحصل للعلم والتواتر.
قيل لابن عرفة: قال بعضهم: الدليل على أنّ التوراة لم تزل في نفسها على ما كانت عليه غير مبدلة أنها في الأقطار كلها متساوية الجرم على نوع واحد ولو بدلوها لاختلفت في الأقطار؟ قالوا: وهي لا تقع إلا في خمسة أسفار وصفات النبي صلى الله عليه وسلّم في الخامس منها.
قال ابن عطية: قال ابن إسحاق: كانت صفته في التو اة أسمر اللون ربعة، فردوه آدم طويلا.
قال ابن عرفة: نصوا على أنّه لا يُقَالُ فيه عليه الصلاة والسلام: أسمر لأنه نقص.
قيل له: ذكروا في صفاته عليه الصلاة والسلام أنه أبيض بياضا مشوبا بحمرة.
وهذا أحد ما تصدق عليه السمرة.
فقال: لفظ أسمر موهم لإطلاقه على القريب من الأسود.
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.
أي من كل خطيئة يكسبونها بالإطلاق كتبا أو غيره، فهو من عطف العام على الخاص. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}.
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله: {فَوَيْلٌ} اختلف في الوَيْل ما هو؛ فروى عثمان بن عفّان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه جبل من نار.
وروى أبو سعيد الخُدْرِي أن الويل وادٍ في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفًا.
وروى سفيان وعطاء بن يَسار: أن الويل في هذه الآية وادٍ يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار.
وقيل: صهريج في جهنم.
وحكى الزّهراوي عن آخرين: أنه باب من أبواب جهنم.
وعن ابن عباس: الويل المشقة من العذاب.
وقال الخليل: الويل شدّة الشر.
الأصمعي: الويلُ تفجُّعٌ، والوَيْحُ ترحُّمٌ.
سيبويه: وَيْلٌ لمن وقع في الهَلَكة، ووَيْحٌ زجرٌ لمن أشرف على الهَلَكة.
ابن عرفة: الويل الحزن؛ يقال: تَوَيّل الرجل إذا دعا بالويل؛ وإنما يقال ذلك عند الحزن والمكروه؛ ومنه قوله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ}.
وقيل: أصله الهَلَكة، وكل من وقع في هَلَكة دعا بالويل؛ ومنه قوله تعالى: {ياويلتنا مَا لهذا الكتاب} [الكهف: 49].
وهي الوَيْل والوَيْلة، وهما الهَلَكة، والجمع الويلات؛ قال:
له الوَيْل إن أمْسَى ولا أمّ هاشم

وقال أيضًا:
فقالت لك الوَيْلات إنك مُرْجلِي

وارتفع وَيْلٌ بالابتداء، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء.
قال الأخفش: ويجوز النصب على إضمار فعل؛ أي ألزمهم الله وَيْلًا.
وقال الفَرّاء: الأصل في الويل وَيْ أي حُزْن؛ كما تقول: وَيْ لفلان؛ أي حُزْن له، فوصلته العرب باللام وقدّروها منه فأعربوها.
والأحسن فيه إذا فُصل عن الإضافة الرفع؛ لأنه يقتضي الوقوع.
ويصحّ النصب على معنى الدعاء؛ كما ذكرنا.
قال الخليل: ولم يُسمع على بنائه إلا وَيْح ووَيْس وَويْه ووَيْك ووَيْل ووَيْب؛ وكله يتقارب في المعنى.
وقد فرّق بينها قوم؛ وهي مصادر لم تنطق العرب منها بفعل.
قال الجَرْمِيّ: ومما ينتصب انتصاب المصادر وَيْلَه وعَوْلَه ووَيْحه ووَيْسَه؛ فإذا أدخلت اللام رفعت فقلت: وَيْلٌ له، ووَيْح له.
الثانية: قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ} الكتابة معروفة.
وأوّل من كتب بالقلم وخطّ به إدريس عليه السلام؛ وجاء ذلك في حديث أبي ذَرّ، خرّجه الآجُرّي وغيره.
وقد قيل: إن آدم عليه السلام أعطي الخط فصار وراثة في ولده.
الثالثة: قوله تعالى: {بِأَيْدِيهِمْ} تأكيد، فإنه قد عُلم أن الكَتْب لا يكون إلا باليد؛ فهو مثل قوله: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38]، وقوله: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} [آل عمران: 167].
وقيل: فائدة {بِأَيْدِيهِمْ} بيان لجُرْمهم وإثبات لمجاهرتهم، فإن مَن تولّى الفعل أشدّ مواقعة ممن لم يتوَلّه وإن كان رأيًا له.
وقال ابن السّراج: {بِأَيْدِيهِمْ} كناية عن أنهم من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وإن لم تكن حقيقة في كَتْبِ أيديهم.
الرابعة: في هذه الآية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع، فكل من بدّل وغيّر أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد، والعذاب الأليم؛ وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّته لما قد علم ما يكون في آخر الزمان فقال: «ألاَ إنّ مَن قبلكم مِن أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين مِلّة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» الحديث، وسيأتي.
فحذّرهم أن يُحدِثوا من تلقاء أنفسهم في الدِّين خلاف كتاب الله أو سنته أو سنة أصحابه فيُضِلّوا به الناس؛ وقد وقع ما حذّره وشاع، وكثر وذاع؛ فإنا لله وإنّا إليه راجعون.
الخامسة: قوله تعالى: {لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} وصف الله تعالى ما يأخذونه بالقِلة؛ إمّا لفنائه وعدم ثباته، وإمّا لكونه حرامًا؛ لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند الله.
قال ابن إسحاق والكلبي: كانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم رَبْعة أسمر؛ فجعلوه آدم سَبْطًا طويلًا، وقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي يُبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا.
وكانت للأحبار والعلماء رياسة ومكاسب؛ فخافوا إن بيّنُوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم؛ فمِن ثَمّ غيّروا.
ثم قال تعالى: {فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} قيل من المآكل.
وقيل من المعاصي.
وكرَّر الويل تغليظًا لفعلهم. اهـ.